U3F1ZWV6ZTUzMzMwNTE5OTU2NjIwX0ZyZWUzMzY0NTUwMzUyNDczOQ==

رولا سالم... بين ورق الفلسفة وأصابع الصحافة



من خلف نافذة تطل على شوارع دمشق المزدحمة، بدأت رولا سالم تكتب. لم تكن الكتابة حينها مهنة، بل طقسًا داخليًا تسكنه أسئلة الفلسفة، وتؤطره ملامح الواقع السوري المتقلب. واليوم، بعد أكثر من عقد على بدء مسيرتها، لا تزال تكتب، ولكن بعين أكثر تمرسًا، وقلمٍ أكثر حساسية للزمن، وللمعنى.

خريجة الفلسفة من جامعة دمشق عام 2010، اختارت رولا طريقًا غير تقليدي لامرأة في مجتمع يميل لتقنين حضور النساء في الفضاء العام، فدخلت عالم الصحافة الاقتصادية والاجتماعية بجرأة لا تخلو من وعي. تنقّلت بين صحف ومواقع متعددة مثل "سيريانديز"، "بورصات وأسواق"، "تشرين"، "هاشتاغ سوريا" و"سناك سيريا"، وبنت لنفسها سمعة ترتكز على الموثوقية والذكاء المهني.

لكن رولا لم تكتفِ بتغطية الأخبار، بل كتبت ما يشبه الحفر في جسد المجتمع. كانت تسأل في كل مقال: ما الذي يحدث للناس؟ ومَن يملك حق الرواية؟ مقالاتها لم تكن فقط تقارير صحفية، بل مرآة تعكس بنية مجتمعية مأزومة، وأصواتًا لم تكن تُسمع.

في عام 2014، رُشّحت لجائزة اتحاد الصحفيين السوريين عن زاويتها "فلسفة مالتوس... النسخة السورية"، لتؤكد أن الفلسفة ليست حكرًا على الأكاديميا، بل يمكن أن تُمارس في الصحافة، وتُعيد قراءة الواقع من زوايا غير تقليدية.

رولا التي أعدّت أيضًا برنامج "الأربعاء الاقتصادي" في إذاعة صوت الشباب عام 2020، مزجت بين الخطاب الإعلامي والنقاش الفكري، وقدّمت نموذجًا لصحفية لا تخشى طرح الأسئلة الثقيلة، وإن بصوتٍ خفيض.



واليوم، تشغل منصب مديرة قسم الإعلام والعلاقات العامة في شركة ماجيستي للسياحة، حيث تنسق الحملات الإعلامية، وتعيد رسم العلاقة بين المؤسسة والمتلقي، كما فعلت خلال تنسيق جناح الشركة في سوق السفر العربي 2024 بدبي. لكنها، رغم التحول المؤسسي، لم تفقد ملامح الكاتبة فيها. بل تستثمر مهاراتها التحريرية في بناء صورة واضحة، ذكية، ومتماسكة عن الشركة التي تمثلها.

في حديثها عن الذكاء الاصطناعي، تذهب رولا إلى ما هو أبعد من التقنية، نحو سؤال وجودي: ماذا يحدث حين تُنتج الخوارزميات اللغة؟ وأين يذهب الضمير الصحفي حين يُستبدل بالمؤشرات؟ بالنسبة لها، التكنولوجيا ليست عدوًا، لكنها ليست بديلًا عن الإنسان. تقول إن الصحافة، لكي تظل حقيقية، يجب أن تبقى إنسانية.

أما عن سوريا، فترى أن ما بعد سقوط النظام – سواء تحقق سياسيًا أم رمزيًا – لن يكون بالضرورة وعدًا بالحرية. بل لحظة معقدة، فيها تتفكك السلطات، وتتعدد الأصوات، وتُطرح الأسئلة المؤجلة. وهي لا تحلم بصحافة مثالية، بل بصحافة ممكنة، تنتمي للناس، لا للأنظمة.

رولا سالم ليست فقط صوتًا نسويًا في فضاء إعلامي صعب، بل هي تجسيد لحضور نسائي مختلف: صحفية لا تسعى لأن تكون أيقونة، بل صوتًا متزنًا، ناقدًا، وحريصًا على المعنى.

في زمن يُكتب فيه الكثير ويُفهم القليل، تكتب رولا كي لا ننسى أن الكتابة فعل بقاء، وأن الصحافة ليست مهنة منتهية، بل ممارسة دائمة للفهم.


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة